مقالات

كيف تُعيد المملكة العربية السعودية تدوير نسائها

الكاتب/ة د. مريم الدوسري | تاريخ النشر:2025-06-09

السلطة السعودية اختارت بعناية نساءً من العائلات المرموقة لتغطي على حقيقة دور الرعاية حيث "النساء غير المطيعات" يُضربن، ويخدّرن، وحيث النسويات اللواتي دافعن عن حق المرأة في القيادة يسجنّ .. عن هذا تكتب مريم الدوسري

بينما تستعرض السلطة السعودية بنساءٍ مختارات بعناية كدليل على التقدم والإصلاح، أخريات يقبعن في دور الرعاية — منازل موحشة تُدار من قبل الدولة وتستخدم كسجون لغير المطيعات وللجريئات.

عرض تحقيق أجرته الغارديان مؤخراً شهادات مفزعة من نساءٍ محتجزات في هذه الدور— ضُربن، وخدّرن، وعوقبن لا لجرائم حقيقية، بل لمطالبتهن بالحرية. قصص مثل هذه القصص نادراً ما تحصل على تغطية من الإعلام الدولي — على النقيض، يغص الإعلام الدولي بعناوين تحتفل بقيادة المرأة السعودية للسيارة أو ضمها لمجالس الإدارة. ولا تستطيع لوم الناس في تشككهم في ما إذا كان هذا إصلاحاً أو أنه مجرد صورة أخرى لامعة لذات الظلم والقمع!

لسنين عديدة، حُمّلت النساء السعوديات حمل شرف القبيلة — يُنظر إليهن كمقياس لفضيلة آبائهن وإخوانهن وللمجتمع بأسره. كرّست الدولة هذه العقلية وحولتها لقانون يدعمه شيوخ دين بإصدار فتاوى كمنع النساء من قيادة السيارة، أو منعهن من العمل في بيئات مختلطة، أو حتى إظهار وجوههن في العلن.

لكن عندما أراد النظام، كل هذه القوانين تبخرت بسرعة، وكل الفتاوى نُسخت ونُسيت، وشرطة الأخلاق [هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر] اختفت. قادت النساء سياراتهن — وكل أعذار النظام تهاوت. لم ينفجر المجتمع، ولم تحصل أي مقاومة، ولم تسقط السماء. دعونا لا نصبغ هذا التغيّر بغير حقيقته: هذا التغيّر لم يكن إصلاحاً، بل تغييراً تسويقياً لذات النظام. تحول من أعلى الهرم بسبب حملات للعلاقات العامة وضغط دولي بعد اغتيال جمال خاشقجي، بالإضافة إلى محاولات محمد بن سلمان اليائسة للدفع برؤية ٢٠٣٠ وتسويقها بالعصرية والتحضّر.

تمكين المرأة في السعودية لا يعكس أي تقدم، بل هو مجرد مشهد مسرحي معدّ بعناية للجمهور الدولي. كل عنوان يخص المرأة السعودية كونها تسلقت قمة جبل ايفرست، أو قادت طائرة، أو أصبحت رائدة فضاء – كل هذه العناوين يُقصد بها تحسين صورة النظام لا حقيقة تمكين المرأة في السعودية.

هذه "السوابق في تمكين المرأة" مقصودة للتمويه على الدبلوماسيين الأجانب، ولإغراء المستثمرين، ولكسب تأييد الإعلام الغربي. لكن بمجرد أن تغوص قليلاً في البحث عن الحقيقة، تجد نمطاً واضحاً: كل هؤلاء النسوة مختارات بدقة من العوائل المتنفذة وذات الصلة في البلاد. أول امرأة سفيرة سعودية للولايات المتحدة؟ من العائلة المالكة. المرأة التي عُيّنت على رأس بعثة حقوق الإنسان؟ مختارة من المقربين للنظام. هذا ليس تغييراً من القاعدة الشعبية — هذه حملة تسويقية. حملة علاقات عامة تستخدم المرأة كغطاء تزعم به الإصلاح.

مشهد تمكين المرأة المسرحي هذا لا يضمن للنساء حرياتهن. في السعودية، يُحتفل بظهور المرأة ومشاركتها حتى تخطو على خطوط النظام الحمراء. مناهل العتيبي مثالاً على ذلك. جريمتها أنها صدقت ترّهات النظام في تمكين المرأة. وثقت بهذا الإصلاح المزعوم وخلعت عبائتها، فكان ماذا؟ حكم عليها النظام بالسجن لأحد عشرة سنة بتهمة "الإرهاب"!

نعم، تستطيع النساء قيادة سياراتهن. لكن الكثير من النسوة اللاتي حاربن لانتزاع هذا الحق مصمتات ومراقبات وبعضهنّ ما زلن خلف القضبان. في عين النظام، تمكين النساء يجب أن يخضع لشروطه. هذه الحقيقة خلف هذه الواجهة المزيفة: خضوع مغلف ببهرجة الحرية، وعقوبة تتقنع بالإصلاح.

أخبرونا أنّ هذا تمكين للمرأة السعودية. لكن ثمن هذا التمكين هو الصمت. نعم، تشغر النساء اليوم أعمالاً كانت محرمةً عليهن في السابق، ولا يوجد اليوم فصل ممنهج بين الجنسين. ولكن هذا يأتي بثمنٍ باهظ! التحرش أصبح معتاداً ومتجاوزاً وبلا عقوبة. التبليغ عنه قد يعرّض المرأة لخسارة عملها. تلقى المرأة اللوم عند الحديث عنه للعائلة. الخلاصة: على المرأة تجرع هذه التبعات بصمت أو ستوصم بأنها غير مطيعة وتُلقى في دور الرعاية. في نظامٍ مبنيٍ على الصمت، لا يعاقب القانون المعتدي، بل يعاقب المرأة التي تتجرأ على فضحه!
لم يحرر القانون في السعودية المرأة – بل تبنى القانون نفس لغة هذا الإصلاح الزائف. يحتفل النظام بالتغييرات القانونية مثل رفع منع السفر عن النساء اللاتي تجاوزن سنّ 21، لكن الحقيقة أن أسس التحكم بالمرأة ما زالت قائمة.

نظام الأحوال الشخصية الجديد لا يُلغي وصاية الرجل على المرأة – لكنه يعرضها بوجه آخر. ما زال القضاة يملكون الحقّ في منع عقود الزواج. والزوجات ملزمات بطاعة أزواجهن بالقانون. لا تستطيع النساء المحتميات بالدولة من العنف الأسري مغادرة هذه الملاجئ بدون إذن من رجل في العائلة. واستخدام النشوز والعصيان، ما زال غامضاً وخطيراً كما في السابق، ويُستخدم لإلغاء حقوق المرأة وتقييد حريتها في رمشة عين. إذاً لماذا هذا الاهتمام بالمرأة بعد عقود من القهر والاستعباد؟ لأنه في الحاضر، ظهورهن مفيد للنظام. النظام السعودي لا يمكّن النساء بل يستخدمهنّ!

لطالما استخدم النظام السعودي النساء كأداة لأجندته، مرةً بالحجاب ومرةً بخلع الحجاب تبعاً لأجندته السياسية. في الماضي، لإرضاء شيوخ الوهابية، محا النظام المرأة وأصمتها وفصلها عن المجتمع ودفعها للاختفاء. بعد أحداث الحرم في 1979، سلب النظام حقوق المرأة وحوّل هذا السلب إلى رمزية دينية. 

بعد أحداث سبتمبر ومع الضغط الدولي، فجأةً أخرجت المرأة من حبسها وقُدّمت كدلالة على التقدم – عُيّنت في مجالس الدولة، وأعطيت صوتاً، وطِير بها في المحافل الدولية. واليوم يستخدم محمد بن سلمان المرأة السعودية على ذاك الغرار. تمكين المرأة في السعودية لا ينبع من اعترافٍ بحقّها، بل يُستخدم كخطة تسويقية. هذا الإصلاح المزعوم مقصود للمستثمرين والدبلوماسيين الأجانب، بينما النسوة اللاتي يطالبن بالتغيير الحقيقي يتم اسكاتهن وسجنهنّ، أو دفعهن للهجرة والهروب. كفاية! النساء السعوديات لسن أدوات للدبلوماسية أو لوحات تسويقية لرؤية 2030. هنّ لسن للاستخدام السياسي مرةً بخمار ومرةً بدونه حسب متطلبات المرحلة.

تهرب النساء السعوديات من الوطن ليس بحثاً عن الحريّة بل عن النجاة. كل سنة، ما يفوق الألف امرأة يخاطرن بحياتهن وكل ما يملكن للهرب من نظامٍ يعاملهن كممتلكات لا كبشر. يهربن من الزواج الإجباري، ومن العنف الأسري، ومن قبضة ولاية الرجل المهيمنة والخانقة.

ورغم ذلك، عوضاً عن مواجهة هذه التجاوزات، يزيد النظام في السعودية الخناق عليهن. تطبيقات المراقبة مثل "أبشر" تتبع تحركاتهن. تُلغى جوازاتهن، وتجمّد ممتلكاتهن، ويتم الضغط على حكومات البلاد التي تستقبلهن لإرجاعهن. في الخطاب الرسمي، تساوي السلطة هؤلاء النسوة بالإرهابيين، وتصف هروبهن بالخيانة. هذا ليس إصلاحاً، بل هو قمعٌ مغلف بغلاف جديد. يجب على العالم أن يرى حقيقة هذا القمع الممنهج الذي يدفع النساء للهرب ويواجهه. 

للجمهور الغربي: رجاءً توقفوا عن تصديق هذه الترهات. المرأة التي تتسابق في حلبة السباق لا تلغي تلك المرأة المسلوبة حقها والمحبوسة في زنزانة. في كل مرة تشاركون في نشر البروباغندا الحكومية "أول امرأة"، أنتم تساعدون في دفن الحقيقة. النظام السعودي يسجن النسويات والمعارضون ويصمهم بالارهاب، في نفس الوقت الذي يشارك في المنافسة على استضافة كأس العالم. عند احتفالكم بهذا العرض وتغافلكم عن النظام، أنتم لستم مجرد مشاهدون بل مشاركون في إجرام النظام.

لحلفاء النظام السعودي في لندن وواشنطن، توقفوا عن معاملة حيواتنا كمنتجات تباع وتشترى. من زيارة ترمب للرياض وأخذه للصور إلى التزامه ب "أن لا يعطي دروساً في العيش"، الرسالة واضحة: الاستبداد ثقافة، والظلم والقهر عادات وتقاليد – طالما يستمرّ النفط في التدفق. ونظراً لصمت رئيس الوزراء البريطاني كير ستيرمر، يتضح أن بريطانيا توافق ترمب.

الاقتصاد يأتي أولاً وحقوق الإنسان تابعة. نحن لا نطالبكم ببطولات، كل ما نطلبه هو أن تتوقفوا عن الاختباء خلف دبلوماسية فارغة في الوقت الذي تنتزع فيه حقوقنا وتحطم. إذا كنتم تستطيعون مطالبة إيران وروسيا بالالتزام بحقوق الإنسان، فأنتم تستطيعون مطالبة السعودية بالالتزام بحقوق الإنسان. إذا كنتم تستطيعون تنفيذ صفقات للسلاح والنفط وكرة القدم، تستطيعون اشتراط الحرية في صفقاتكم.

ترجمة: أحمد حكمي