مقالات

أرواح وحياة الإنسان ونقمة الاستبداد

الكاتب/ة ناصر العربي | تاريخ النشر:2025-07-02

قدرنا التاريخي والجغرافي أن نكون في بلد تحكمه أسرة تدعي "الملكية" بمعنى أدق مِلك الأرض ومن عليها من بشر والتحكم بمصير حياتهم بل بمصير تاريخهم وماضيهم ومستقبلهم. فالأنظمة الملكية صحيح أنها تتأرجح في مسارات متنوعه ما بين سيء وفاحش السوء ولا يمكن التعايش معه. لا أحد يحب أن يكون عبداً مملوكاً وتابعاً لا قيمة له مهما بلغ من علم أو مال أو جاه فالجميع أقزام في عين الدكتاتور، وخصوصا الدكتاتور الجاهل والنرجسي. إن التاريخ علمنا أن هناك طغاة ينظرون إلى أنفسهم بوصفهم مخلصين تاريخيين وعباقرة وألمعيين في أفكارهم ومشاريعهم، هكذا كانوا يصفون أنفسهم، وهكذا وصفهم المؤرخون، بينما تعكس هذه السردية عن ضحالة المستبد وبؤس قراءته لنفسه. في تاريخنا الحديث تبختر صدام حسين والقذافي والأسد الأبن والإبن بالقوة العسكرية وبالفتك بالبشر من حولهم، حيث أبادوا العديد من أبناء وطنهم لأجل تعزيز وجودهم في السلطة. فأرواح البشر وسحقها رخيصة في عيونهم مقابل البقاء في السلطة.
محمد بن سلمان، حسب المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان بلغ عدد الأشخاص الذين تم إعدامهم في عهد محمد بن سلمان ١٧١٩ نفس ذهبت دون وجود أدنى حقوق لها. وهناك حسب حساب المنظمة في تويتر ما يقرب ١٥٠ إنسان من عدد من الجنسيات على وشك الإعدام بتهم لا تستحق هذه العقوبة. خذوه فغلوه، هي سياسة محمد بن سلمان التي ينظر للمواطنين بالدرجة نظرة دونية استحقارية، نحن لا شيء في ميزان العدالة والكرامة فضلاً عن المشاركة في العمل السياسي وتصحيح المسار. يُصدم محمد بن سلمان عندما يسمع أن من حق المواطنين المشاركة في العملية السياسية، فهو لا يرى للمواطن قيمة فضلاً عن أهليته في العمل السياسي، وهذا ليس رجماً بالغيب، بل هل كلمه قالها محمد بن سلمان عن الوزراء السعوديين الذين خدموا الدولة في فترات زمنية متنوعه، يراهم أنهم لا شيء، يقول "أن ٨٠٪ من الوزراء غير أكفاء ولا أعينهم في أصغر شركة". هذا الاستحقار يقوله من لا يعرف يكتب جمله واحدة صحيحة دون أخطاء، هذا الاتهام يقوله شخص وصل للسلطة عن طريقة الوراثة لا الكفاءة والجدارة المهنية. 
بكل تأكيد أن الطاغية يتمنى من أعماق قلبه أن يحكم بقبضة على مقاليد الحياة وأن يجعل الجميع يؤمن بما يقوم به من خزعبلات وعبث، لكن للواقع الاجتماعي، والسياسي والاقتصادي قوانينه وظروفه. فما بين الحلم والوعد النرجسي بالاستغناء عن النفط في ٢٠٣٠ إلى الوصول إلى تضخم تاريخي وبطالة غير معهودة ودين حكومي عالي، يعلم المواطن أن وعود محمد بن سلمان هي أوهام. ففي الوقت الذي تزهق فيه الأرواح بالإعدامات هناك جرائم أخرى تحدث مثل التهجير والحرمان من العمل والدراسة والعيش الرغيد الذي تشير كل المؤشرات بإمكانيه حدوثه عندما تكون هناك سياسيات تقدم مصلحة المواطن على مصلحة محمد بن سلمان. فأهالي الخريبة وما حولها من قرى شمال البحر الأحمر تم اقتلاعهم من بيوتهم وتصفية من قاوم منهم ببقائهم في منزله، وهناك من ينتظر قطع عنقه نتيجة مطالبته بسماع صوته وحقه في هذه الأرض.
لماذا يزاحمنا محمد بن سلمان في أرضنا وأملاكنا وحياتنا، لماذا يريد منا أن نقر له بمشاريعه السياحية الفاشلة في شمال أملج وحقل وضباء وأبها وجدة، لماذا يطرد ثلث سكان جدة من بيوتهم وتمسح بالأرض من الوجود ويتناثر السكان المحليين في البحث عن مساكن بديله، لأجل تصور نرجسي مريض في عقل مبس أن هذه الأحياء يجب أن تزال؟ أرواح وحياة الإنسان هي مجرد لعبه في يد الطاغية الذي يعتقل، يعدم، يسجن، يسرق، يرهب، يرعب، يخف، يهجر وقس عليها من الأفعال الإجرامية. لا شيء يمنع الطاغية من فعل الجرائم التي لا حدود لها. فهو قتل جمال، وعذب النساء، وأعتقل الشباب والشيوخ، وحاصر جيرانه، وشن حرباً ليس لها أي معنى على اليمن، وأعتقل تجار الوطن وسجنهم وأذلهم لأجل شبه فساد، فهو يرى نفسه القاضي والجلاد والحكيم والسياسي الماهر. وهو مفلس من كل شيء والأهم مفلس من الكرامة التي تجعل الرجل يتورع أن تحسب عليه نقيصة أو رذيلة وجريمة، على العكس فالطاغية الذي لدينا من نوع لا يتورع عن التبجح بجرائمه التي يشمئز منها الإنسان. وسوف يكتب التاريخ كل جرائمه ولو بعد حين. ولا أنسى التطبيع الذي سوف يقوم به هو أجمل هدية تاريخية لمسيرته، فهو الأجدر بمصافحة نتنياهو وإقامة سلام ما بين مجرمين لا مثيل لهم في تاريخنا الحاضر.